إذا كانت الكتابة التاريخية العربية المعاصرة قد اتخذت من ناحية الشكل الأساليب التقنية الأكاديمية في الصوغ والتوثيق ووضع الهوامش، فإنها على صعيد المفاهيم التي تحملها أو تحرّكها من الداخل، اتخذت في غالبيتها مضامين نبعت من التيارات الفكرية السياسية الفاعلة في التاريخ العربي المعاصر، وبالتحديد التيارات القومية التي نشأت أثناء عملية البحث عن الدولة، خلال انهيار الدولة العثمانية أو بعده. برزت في هذا السياق مشاريع دول وبرامج وحدات واتحادات وصراعات ما بين قوى اجتماعية سياسية متباينة. واختلفت تلك البرامج والمشاريع في منظورها للدولة والأمة، وفي تفصيل حدود الدولة وتحديد مضمون الأمة. فهي أمة تتماثل مع إقليم جماعة وخصوصيتها بالنسبة إلى البعض، أو مع وحدة مجتمعية تاريخية جغرافية أوسع عند البعض الآخر، أو مع وحدة ثقافية - لغوية، أو مع وحدة حضارية عالمية أشمل يحدّدها الانتماء إلى الإسلام كدين شمولي تتمحور تمثّلاته واجتهاداته حول الشريعة أو «الهوية الحضارية».